نفسية الأطفال في زمن الحرب
By: Dr Carla Kesrouani
Categories:
نفسية الأطفال في زمن الحرب
إن الصراعات والنزاعات المسلحة التي تشهدها بعض المناطق في العالم، تترك آثاراً لا يستهان بها في نفسية الأطفال في زمن الحرب، من خلال آثار نفسية واجتماعية سلبية تؤثر على نموهم وتطورهم. فالحرب تحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية كالتعليم والصحة والأمن والحماية، وتجبرهم على مواجهة مشاهد العنف والدمار والقتل والتشريد. كما تعرضهم لخطر التجنيد القسري أو الانضمام إلى جماعات مسلحة أو التعرض للإساءة أو الاستغلال أو التعذيب.
إن مرحلة الطفولة لها الدور الأبرز في تكوين شخصية الفرد في المستقبل، لذلك فإن الآثار السلبية في نفسية الأطفال في زمن الحرب تترك بصمة كبيرة لا يستهان بها، وجرحاً كبيراً يصعب اندماله وشفاؤه. لذلك علينا جميعاً (أهل، مجتمع، طبيب نفسي) أن نعمل معاً لتخفيف تلك الآثار السلبية التي تصيب نفسية الأطفال في زمن الحرب.
لذلك سوف نستعرض في هذا المقال أهم ثلاثة جوانب لمقاربة الموضوع بالشكل الأمثل، ألا وهي:
- تأثّر نفسية الأطفال في زمن الحرب.
- دور المجتمع.
- دور الطب النفسي.
تأثّر نفسية الأطفال في زمن الحرب
إن تأثّر نفسية الأطفال في زمن الحرب يختلف باختلاف عوامل كالعمر والجنس والثقافة والدين والظروف المحيطة بهم. لكن بشكل عام، يمكن أن يظهر على الأطفال هذه الأعراض التي تدل على تضررهم نفسياً، مثل:
- التوتر والقلق والخوف والارتباك: حيث يشعرون بعدم الأمان والخطر المستمر، ويخافون من فقدان أحبائهم أو منزلهم أو حياتهم.
- التشاؤم والإحباط وانخفاض الثقة بالنفس: حيث يرون أن مستقبلهم مظلم ولا أمل فيه، ويشكون في قدراتهم وقيمتهم.
- الغضب والعدوانية وانعدام التحكم بالانفعالات: حيث يصبحون عصبيين وسريعي الغضب، ويستخدمون العنف كوسيلة للتعبير عن مشاعرهم المكبوتة.
- الانطواء والانعزال وانخفاض الاهتمام بالأنشطة المحببة: حيث يصبحون خجولين وصامتين، ولا يودون التواصل مع الآخرين، ولا يستمتعون بالألعاب أو الرسم أو الموسيقى.
- صعوبات في التركيز والذاكرة والتعلم: حيث يصبحون مشتتين ومنسيين، ولا يستطيعون متابعة الدروس أو حفظ المعلومات.
- اضطرابات في النوم والشهية: حيث يصبحون مضطربين في النوم، ويعانون من الأرق أو الكوابيس، ويفقدون الشهية أو يزيدون منها.
- ردود فعل جسدية مثل الصداع وآلام البطن والغثيان: حيث يشعرون بألم جسدي ناتج عن التوتر النفسي.
- اضطرابات في التطور الجسدي والجنسي: حيث يتأخرون في نموهم الجسدي أو يتقدمون فيه، ويصبحون محرجين من جسدهم أو فضوليين عنه.
- ردود فعل مؤخرة مثل اضطراب ما بعد الصدمة: حيث يعانون من تجدد ذكرى المواقف المؤلمة أو تفاديها، ومن اضطراب في المزاج أو الشخصية.
دور المجتمع
إذن، كيف يمكن للمجتمع أن يساعد الأطفال على التغلب على تأثيرات الحرب على نفسيتهم؟ هناك بعض الخطوات التي يمكن اتباعها، مثل:
- توفير بيئة آمنة ومحبة ومشجعة للأطفال، تحميهم من العنف والإهانة والإهمال، وتعزز من ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين.
- تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، من خلال الاستماع إلى مشاعرهم وآرائهم وخواطرهم، وتقبلها دون انتقاد أو سخرية، وتشجيعهم على التعبير عنها بطرق صحية، مثل الحديث أو الكتابة أو الرسم أو اللعب.
- تقديم الدعم التعليمي للأطفال، من خلال توفير فرص التعلم المناسبة لأعمارهم وقدراتهم واحتياجاتهم، وتحفيزهم على المشاركة في الأنشطة التربوية والثقافية والفنية والرياضية، وتقوية روابطهم مع المدرسة والمعلمين والزملاء.
- تقديم الدعم الصحي للأطفال، من خلال مراقبة حالتهم الجسدية والنفسية، وتوفير الغذاء الصحي والنظافة الشخصية والراحة الكافية، وإحالتهم إلى المختصين عند الضرورة.
دور الطب النفسي في نفسية الأطفال في زمن الحرب
يلعب الطب النفسي دوراً هاماً في مساعدة الأطفال المتضررين من الحرب على التغلب على مشاكلهم والتكيف مع ظروفهم. الطب النفسي يقدم للأطفال خدمات تشخيصية وعلاجية ووقائية تهدف إلى تقوية قدراتهم ومهاراتهم وثقتهم بأنفسهم،وتعزيز قوة نفسية الأطفال في زمن الحرب. كما يقدم للأطفال دعماً نفسياً واجتماعياً يساعدهم على استعادة شعورهم بالأمان والانتماء والسعادة.
بعض أهم أهداف الطب النفسي للأطفال في زمن الحرب هي:
- تخفيف الأعراض النفسية المزعجة مثل القلق والاكتئاب والصدمة والوسواس.
- تحسين الصحة الجسدية للأطفال من خلال التأكيد على أهمية التغذية والنوم والرياضة.
- تعزيز التواصل والتعبير عن المشاعر والحاجات بطرق سليمة وإيجابية.
- تطوير مهارات التفكير والحلول المبدعة للمشكلات.
- تشجيع المشاركة في الأنشطة التربوية والثقافية والترفيهية التي تناسب اهتماماتهم وقدراتهم.
- تقديم فرص للتواصل مع أقرانهم وإقامة علاقات صحية وداعمة.
- توفير بيئة آمنة ودافئة تحترم حقوقهم وكرامتهم.
ختاماً
وفقاً لتقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن هناك أكثر من 250 مليون طفل يعيشون في مناطق تشهد نزاعات مسلحة، وأن نحو 24 مليون طفل يحتاجون إلى مساعدة نفسية واجتماعية عاجلة. كما أن هناك 28 مليون طفل نزحوا من بلدانهم بسبب الحروب، وأن 120 مليون طفل لا يذهبون إلى المدارس بسبب الصراعات.
كما تلاحظون فالأرقام كبيرة جداً، وبالتالي فالعمل المترتب علينا كأهل ومجتمع وكأطباء نفسيين هو عمل ضخم يحتاج إلى وعي كبير واهتمام وعمل مثابر لتخفيف الأثر السلبي على نفسية الأطفال في زمن الحرب باكبر نسبة ممكنة.
إن كان الكبار البالغون والواعون يتأثرون نفسياً كثيراً في زمن الحرب، فكيف إذاً الحال مع هؤلاء الملائكة الصغار الذين لم يعرفوا أبعاد الدنيا والوجود بشكل جيد؟! لهذا فالعمل كبير وضخم لدعم نفسية الأطفال في زمن الحرب وحمايتها، ويحتاج إلى تكاتف كافة قوى المجتمع لتنفيذه كما يجب.