وصمة المرض النفسي: كيف نساهم في كسر الحواجز المجتمعية؟

By: Dr Carla Kesrouani
Categories:
وصمة المرض النفسي: كيف نساهم في كسر الحواجز المجتمعية؟
بقلم: الدكتورة كارلا كسرواني – معالجة نفسية
مقدمة
في عالم اليوم، لا تزال وصمة المرض النفسي عائقًا كبيرًا أمام الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية ويحتاجون إلى الدعم والعلاج. ورغم التقدم الطبي والتقني، يظل المرض النفسي محاطًا بالغموض والأحكام المسبقة التي تؤدي إلى العزلة والسكوت. فكيف يمكننا أن نكسر هذه الحواجز؟ وكيف نخلق بيئة أكثر تقبلاً وتفهماً؟
ما المقصود بوصمة المرض النفسي؟
وصمة المرض النفسي تشير إلى المفاهيم السلبية والتصوّرات الخاطئة التي يحملها المجتمع تجاه من يعاني من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب، القلق، اضطراب ما بعد الصدمة، وغيرها. هذه الوصمة قد تكون:
1-اجتماعية: عبر التهميش أو التمييز ضد الشخص.
2-ذاتية: حين يبدأ الشخص بتبني نظرة المجتمع السلبية تجاه نفسه.
3-مؤسساتية: من خلال القوانين أو السياسات التي تحدّ من حقوق الأشخاص المصابين.
آثار الوصمة النفسية:
لا تؤثر الوصمة فقط على صورة الشخص أمام الآخرين، بل تمتد آثارها إلى جوانب مختلفة من حياته، مثل:
-التردد في طلب المساعدة النفسية خوفًا من الحكم أو السخرية.
-العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة.
-تدني احترام الذات والشعور بالذنب أو العار.
-زيادة شدة الأعراض النفسية بسبب التأخير في العلاج.
كيف نكسر هذه الحواجز؟
- التوعية والتثقيف النفسي:
نشر معلومات صحيحة حول الأمراض النفسية هو الخطوة الأولى. عندما يفهم الناس أن المرض النفسي ليس ضعفًا ولا عيبًا، بل حالة صحية تحتاج للعلاج مثل أي مرض جسدي، تقلّ الأحكام المسبقة تدريجيًا. - الحديث بصراحة عن الصحة النفسية:
حين يتحدث الأفراد – وخاصة الشخصيات العامة – عن تجاربهم النفسية، فإنهم يُساهمون في كسر حاجز الخوف والعيب. الصمت يغذي الوصمة، أما الكلام فهو بداية الشفاء. - استخدام لغة خالية من الأحكام:
بدلاً من وصف شخص بأنه “مجنون” أو “مختل”، يجب استخدام مصطلحات محترمة مثل “يعاني من اضطراب نفسي“، “في مرحلة علاج”، أو “يمر بظرف نفسي صعب”. - الدعم العائلي والمجتمعي:
الدعم الاجتماعي هو ركيزة أساسية في العلاج النفسي. على العائلة والأصدقاء أن يكونوا مصدراً للأمان والتفهم، لا للإدانة أو الضغط. - الوصول إلى خدمات العلاج بسهولة:
عندما تتوفر خدمات الصحة النفسية في المدارس، الجامعات، وأماكن العمل، وتكون بأسعار مقبولة أو مجانية، يصبح الطريق إلى الشفاء أقل وعورة.
دورنا كمجتمع
كل فرد منا يستطيع أن يساهم، ببساطة عبر:
-مشاركة منشور توعوي على وسائل التواصل.
-التصدي للتنمر أو السخرية من الأمراض النفسية.
-التعامل بلطف وتفهّم مع من يعاني من أزمة نفسية.
-تشجيع الآخرين على طلب الدعم المهني عند الحاجة.
في الختام
إن كسر وصمة المرض النفسي ليس مهمة الأطباء النفسيين فقط، بل هو مسؤولية مشتركة تبدأ من كل منزل، وتصل إلى المدارس، أماكن العمل، والإعلام.
علينا أن نتذكر أن الصحة النفسية هي جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، والسكوت عن المعاناة لا يعني الشفاء، بل تأجيله.
معًا، نستطيع خلق عالم يتسع للجميع… دون خجل، دون خوف، دون وصمة.